شاشةمحافظات

المجاعة أصبحت أمرا واقعا في بلدي

المجاعة أصبحت أمرا واقعا في بلدي

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

    لعل في سردية الليلة – أعزائي القراء – مايؤرق البصر ، ويضاعف السهر ، بل مايدمي البصيرة ، ويعكر المزاج ، وربما أتى على الإنسان مايقتل التفكير ، أو مايدمر كل فن من فنون التعبير ؛ لذلك أطلب منكم أيها القراء الكرام ، وأنتم تقرأون سرديتي هذه ، أن تتقبلوا نتائج صدمة التأثير ، وأن تعذروني إن سلكت الإظهار أو مايسمى التشهير ؛ فالأمر قد أصبح من الأهمية بما يجب أن يعرفه الصغير قبل الكبير ، والغني قبل الفقير ، ومن يدعي أنه السيد أو الأمير ، وهو في الأصل لايصلح أن يكون راعيا للحمير . نعود لموضوع سردية الليلة والعود أحمد .
    جمعتني الأقدار بصديقي عادل قبل يومين في أحد منتديات الحاضرة عند وقت المقيل ، وتحدثنا في أمور كثيرة ، كان أهمها مانعانيه – نحن وغيرنا من هذا الشعب المكلوم – من تسلط ذوي القربى ، وتلذذهم – إن جاز التعبير – بجوعنا وفقرنا وحاجتنا لأدنى مقومات الحياة ، فضلا عن قسوة هذا الصيف الأرعن إذ حصد الكثير من الأرواح ومازال يحصد ، وربما يستمر في فعله اللعين إلى زمن غير قصير . وفي أثناء الحديث تذكرنا شيئا من ماضي الزمن الجميل ، وأيام البهجة والسرور ، التي مازال القلب يحن نحوها حنين . عند ذلك قررنا أن ننطلق صباح الغد عند البكور ، نحو حاضرة العبادل ، مدرسة الزراعة والشعر واللحن والرقصات الشعبية وغيرها من الفنون ، لعلنا نظفر بشيء من البهجة أو الطرب والسرور ، أو نسد جوعنا بشيء من أطعمتها الشعبية ، قليلة التكلفة ، عظيمة الفائدة .
    غير أن الرياح لاتجري عادة بما تشتهي السفن ، إذ رأينا – ونحن مازلنا في الحاضرة – رجلا عاقلا يحاول التواري عن الأبصار ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، طلبت من عادل أن يترجل من المركبة ، ويقترب من ذلك الرجل لعله يعلم ماذا يفعل بيديه داخل برميل القمامة ، وما الذي يحرك عضديه يمينا وشمالا ؟ عاد عادل ، وهو يقول ليتنا لم نفعل ياصديقي ، استعجلت بالسؤال ، ما الأمر ياعادل ؟ قال : وجدته قد عثر على كمية من الدقيق الفاسد بين فوضى الزبالة ، يغرف منه ويضعه في منخل ، ثم يقوم بنخله في وعاء آخر ؛ ليتخلص بذلك من الحشرات والديدان التي قد تعايشت وتكيفت بين ذلك الدقيق المعفن ، كريه الرائحة . فقلت : ماذا تفعل يارجل  ؟ لفت إلي والخجل قد ملأ تجاعيد وجهه ، ثم قال : استخرج الحشرات والديدان الكبيرة من هذا الدقيق الفاسد لكي أطعم أولادي منه ، إنهم في المنزل على وشك الموت جوعا ، فقلت : لاحول ولاقوة إلا بالله ، حسبنا الله ونعم الوكيل .
انطلقنا نحو حاضرة العبدلي ، وكنا كلما حاولنا التوقف اجتمع الناس حولنا ظنا منهم أننا منظمة دولية أو جمعية خيرية ، الأمر الذي فرض علينا مواصلة السير ، وفي حسيني القمندان توقفنا لبعض الوقت ، لكننا لم نستطيب المقام ؛ لأننا وجدنا الأرض قاحلة ، والزراعة راحلة ، والإنسان قد نخر الجوع كاهله . واصلنا السير إلى قرية الخداد ، وهناك ترجلنا من المركبة نبحث عن مطعم متواضع كان يقدم لزائريه الثريد المصنوع من القمح البلدي المصحوب بالحلبة وحيتان الباغة اللذيذة ، وعندما سألنا بعض الساكنين ، عم تبحثون ؟ قلنا : عن مطعم الخداد الشعبي ، قالوا : ذلك قد رحل عنا وعنكم منذ بضع سنوات .

Related posts

ملتقى لمسؤولي البرامج والأنشطة بالاتحاد العربي لرواد الكشافة والمرشدات

Alahlam Almasrih

كلية السينما بجامعة بدر تبدأ مشاريع تخرج الطلاب بـ”أقنعة الملائكة” و”الحادثة

Alahlam Almasrih

انتشار مكثف للشرطة لتأمين احتفالات شم النسيم