شاشة

حقا إذا لم تستح فاصنع ما شئت

حقا إذا لم تستح فاصنع ما شئت

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

    لقد استطاع العرب الأوائل أن يحفظوا لنا ويدونوا كثيرا من الأمثال السائرة ، والألفاظ المعبرة ، والمعاني المفيدة والمؤثرة ، وذلك بعد أن استخلصوها من أعماق بحار تجاربهم ، وعصارة عقولهم ، وتحليق أفكارهم ، ومما علموه وتعلموه في مسيرة حياتهم ؛ الأمر الذي جعلنا ما إن نصطدم بأمر سيء ، أو سلوك معيب ، أو عكسهما ، نسمعه أو نراه أو نعايشه ، من كبير أو من صغير ، من قوم أو من فرد ، من ذكر أو من أنثى ، إلا وعدنا في سرعة البرق إلى أرشيف الذاكرة لننتزع منه مثلا موجزا – ربما كان من بضع كلمات – لكنه قد حمل الداء والدواء لأي ظاهرة تواجهنا في الحياة ؛ إذ  يحذرنا من فعل ذلك الأمر السيء ، أو الانجراف إلى ذلك السلوك الكاذب المخادع ، وفي الوقت نفسه نجد من الأمثال ما يرغبنا إلى فعل ذلك السلوك إذا كان نافعا ، وتنفيذ ذلك الأمر إن كان مفيدا ، ومع ذلك كله إلا أن أقواما كثيرة ، ومجتمعات عديدة مازالت أشبه بالقطيع من الأنعام ، إذ لاتستطيع التمييز بين الصادق والكاذب ، والضار والنافع ، وبذلك يصبح الفرق شبه معدوم بينها وبين القطيع ، فالأخير إذا ماهززت شجرة السمر ، أو خبطت أعلاها بالمخبط جاء نحو الشجرة يركض بأقصى سرعة ظنا منه أنه سيجد كما كبيرا من الزهور (الثباب) أو من الثمار (الخزر)  تحت الشجرة ، جراء هزة الراعي لها أو خبطته أعلاها ، مع أن ذلك القطيع يعلم يقينا أن الراعي يكذب عليه ؛ لأنه يرى الشجرة أنها في ذلك الوقت خالية تماما من الأزهار والثمار . وكذلك بعض الشعوب ؛ يعرفون جلاديهم ، وسارقي أقواتهم ، والمتاجرين بدماء أبنائهم ، ومع ذلك تجدهم يصدقون أكاذيبهم ، ويصفقون لأوهامهم ، ويرقصون طربا بما ينزل عليهم من أولئك اللصوص ؛ كالجوع والخوف والمرض وانعدام الخدمات ، وغير ذلك من المعاناة . نعود لموضوع سردية الليلة والعود أحمد .
    وأنا عائد إلى منزلي أقود مركبتي ، وبجانبي أحد الأصدقاء ، وصوت المذياع مرتفع جدا . في هذه الأثناء انطلقت من فمي ضحكة لا إرادية ، بلغت حد القهقهة ، يسألني صديقي ، مع من تضحك ؟ قلت : مع نفسي ياصديقي ، قال أوجننت حتى تضاحك نفسك ؟ قلت : كلا ياصديقي ، ولكن يبدو أنك لم تسمع قول المذيع ، أجل ياصديقي ، لقد ذهب خيالي يحلق في الفضاء بعيدا ، ولم أدرك حديث المذيع ، لكن بربك قل لي ماذا قال المذيع حتى جعلك تضحك تلك الضحكة القوية ؟ لقد كان المذيع يستعرض شيئا من فساد خصومه الأقربين ، ونسي أو تناسى أن فساد من ينعق باسمهم قد بلغ حدا لم يسبق أن عرف التاريخ مثله أو شبيها له ، فتذكرت حينها المثل العربي القائل : ” إذا لم تستح فاصنع ماشئت ” وكذلك المثل العربي القائل : ” شر البلية مايضحك ” حقا أيها القوم إذا لم تستح فاصنع ماشئت ، وكذلك حقا أيها القوم إن شر البلية مايضحك . وماذا كان يجب على المذيع أن يفعل ياصديقي ؟ كان يجب عليه وعلى من يأمره بإرسال ذلك القول أن يحترموا عقولنا ، وأن لايشهروا بغبائنا ، وأن لايتجاهلوا معاناتنا ، كيف يتحدثون عن الفساد عند الآخرين وهم غارقون في مستنقعه إلى الأذنين !  كيف يتحدثون عن الفساد والدولار الأمريكي قد تجاوز الألف والأربعمائة ريال في جغرافية سلطتهم ومواطن نفوذهم !  كيف يتحدثون عن الفساد وانقطاعات الكهرباء قد تجاوزت الخمس ساعات مقابل ساعة واحدة تزور فيها المنازل !  كيف يتحدثون عن الفساد وقد غطت سماء عدن خيمة من الدخان الأسود الذي ينبعث من المحروقات الفاسدة التي ابتاعوها لمولدات الكهرباء بثمن بخس ؛ ليكسبوا من المال المخصص لابتياع المحروقات مايشبع كروشهم المنتفخة … اعذرني أخي العزيز لن أبلغ إحصاء الشيء اليسير من فساد هؤلاء القوم حتى لو بقيت أكتب فيه سنوات .

Related posts

سلام فحص 111361 طفل حديث الولادة ضمن مبادرة السمعيات حتى الآن

Alahlam Almasrih

إفطار باشراحيل يعيد زكريات 31عاما لحي البلد(السبيل)

Alahlam Almasrih

وكيلة وزارة الصحة بكفرالشيخ شعلة نشاط

Alahlam Almasrih