شاشة

المسمي أن يخلق

كاد المسمي أن يخلق …….

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

عُرفت العرب بحكمها وأمثالها التي صنعتها من تجاربها وتعاملاتها وتعايشاتها واتفاقاتها واختلافاتها وسلمها وحروبها … الأمر الذي رفد  ثقافتها وأثراها ، وأضاف لبنات إلى بناء منظومة هويتها … في رحلة يوم الثلاثاء الموافق 20 ديسمبر 2022م التي صحبني فيها أخي العزيز الدكتور عبده علي المشمري ، كانت محطة استراحتنا الأولى (مجمع مضيق باب المندب) ، مااستلفت نظري في هذا المكان ؛ جمهور كبير من القوم ، معظمهم مسلحون ، هوياتهم شتى ؛ منهم الأفارقة ، والأكثرية يمنيون ؛ لكنهم ليسوا من جغرافيا واحدة ؛ إذ تجدهم خليطا من الصبيحة ومن تهامة ومن الحجرية ومن ذمار ومن مناطق أخرى ، أول ماتطل على هذه الاستراحة ، يأخذك الظن أنها ثكنة عسكرية ؛ وذلك لاصطفاف كثير من عربات التويوتا الحوض في أرجائها ، لكنك ماإن تحدق بناظريك في الاستراحة حتى ترى الفندق واللوكندة وسوق القات وكذلك المطاعم وغيرها من دكاكين الخدمات المتنوعة ؛ تجد الكل يعمل في خدمات الاستراحة ماعدا الصبيحة والأفارقة فإنهم مستهلكون ؛ الذماري يبيع القات ، والتهامي يصنع الطعام ويقدمه ، والحجري يقوم بصيانة العربات وبيع الحلويات وكذلك صناعة الطعام وتقديمه للوافدين ، صلينا المغرب في مسجد الاستراحة ، ثم احتسينا الشاي في مقهى مجاور ، اصطف حولنا في هذه الأثناء كثير من مشائخ الصبيحة ووجاهاتها ، حيينا بعضنا وتحدثنا عن أحوال البلاد ومعاناة العباد ، ثم اصطحبنا الشيخ فهد العواجي إلى أحد المطاعم التهامية لتناول وجبة العشاء ، الشيخ فهد أحد الطلاب الأوفياء ، إذ مازال محافظا على مساحة من الود والاحترام والتقدير للمعلم ، وبقي يذكرني بالسنين والشهور والأيام التي كنت فيها أستاذه ومعلمه ومثله الأعلى في كل شيء ، وفي المطعم شكلنا حلقة مستديرة حول الطعام ، نفترش قطيفة متواضعة على الأرض ، قدم لنا النادل وجبة شهية من الدقة أو مايسمى باللحم الصغار ، وأرغفة من الخبز ، وأنواعا شتى من مساحيق الفلافل والأجبان ، غير أن هناك مايستحق الوقوف أمامه قليلا ؛ ونحن على المائدة كان علي يميني شاب كريم اليد ، قصير القامة ، أخنس الأنف ، جاحظ العينين ، مفتول عضلات الساعدين ، بشوش الوجه ، دائم الابتسامة ، لكن الذي زاد من دهشتي ، وأكثر من غرابتي هو اسمه الذي يحمل الكثير من الدلالات ومثلها من المعاني ، إنهم يسمونه العرطة ، وللإنصاف هو حقا عرطة ، أظن أنكم تعلمون جيدا معاني هذه اللفظة العامية في أصلها ؛ إن العرطة تعني المغنم السهل ، الذي لايكلفك شيئا في البحث عنه ، أو الوصول إليه ، بل تحصل عليه عن طريق مايشبه الصدفة ، فتغنمه وتملكه بأقل القليل من الخسائر ، وقد تجنبت إعطاء شيء من الأمثلة على العرطة حتى لايتهمني أحد من القراء بالذهاب نحو دهاليز السياسة ، حقا أعجبني كثيرا الاسم عرطة ، فسألت رفيقي الدكتور عبده علي المشمري عن شيء من شخصية العرطة ؟ قال : إنه من العساكر القدماء ، عمل معه سائقا ومرافقا ، معروف بالوفاء ، قلبه عامر بالحب لايعرف الكره ، يجيد التعامل والتعايش مع الأفارقة الوافدين ، ومن خلال جلوسي القصير معه على مائدة العشاء تبين لي بوضوح إنه حقا عرطة ، وقد صدقت العرب إذ قالت : كاد المسمي أن يخلق ……..

Related posts

الاتحاد العالمي للكشاف المسلم يوقع عقد شراكة وتعاون مع منصة حدوتة الإعلامية

Alahlam Almasrih

الشاعر سامي الوكيل يكتب يوم ما اموت

Alahlam Almasrih

عزاء واجب

Alahlam Almasrih