المعركة طويلة أيها الشرفاء …
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
لعل من يقرأ الأحداث قراءة معمقة ، يدرك بوضوح أهمية الاصطفاف والتعبئة المجتمعية والاستعداد الحقيقي لمواجهة الأخطار المترتبة على هجمات جموع الفساد والمفسدين في الداخل والخارج ، صحيح إن جيوش الفساد جرارة ، وتفوق في تعدادها كتائب الخير المؤمنة بصناعة المجتمعات والارتقاء بها ، وتطويرها ، وبناء الحضارات القائمة على الإيمان بالله ، وإقامة العدل بين بني آدم ، والإحسان إلى الآخر ، كما فعلت حضارة الإسلام في عصر الخلافة العباسية ، ومابعدها ، إذ تميزت الحضارة الإسلامية بقيم أخلاقية لم ولن تتكرر في الحضارات الغربية المتوحشة ، من القيم التي قامت عليها حضارتنا ، الأخلاق ؛ نأخذ من ذلك موقف القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي في تعامله مع عدوه قائد الجيوش الصليبية في فلسطين ، عندما أصيب بداء عضال ، والمعركة على أشدها بين جيوش الإسلام من جهة وبين جيوش الصليبيين من الجهة الأخرى ، وذلك من أجل استعادة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، المسجد الأقصى المبارك ، في هذا الوقت كانت الفرصة مواتية للقائد العظيم صلاح الدين ، كي ينقض على أعدائه في أثناء مرض قائدهم ، وانخفاض معنوياتهم ، لكن أخلاق القائد الواثق من نصر الله أبت له أن يقبل النصر بالغدر والخسة ومكر الثعالب ، الأمر الذي جعل القائد صلاح الدين يوقف المعركة إلى أن يتعافى عدوه الصليبي من المرض ، ليس ذلك وحسب ، بل أرسل إليه الأطباء والدواء والثلج والماء البارد ، ثم انتظر حتى تعافى عدوه من مرضه ، وتم استئناف المعركة ، وانتصرت حضارة الإسلام عسكريا في استعادة بيت المقدس ، وأخلاقيا في تعاملها مع تعدد الديانات في فلسطين ، وتنوع النسيج المجتمعي ، لكن انظروا أحبتي إلى أفعال الحضارة الغربية اليوم مع الأمم والشعوب المستضعفة الفقيرة في العالم الثالث ، أو مع دول وأنظمة آسيا وأفريقيا التواقة إلى الانعتاق والتحرر ، انظروا كيف فعلت في أفغانستان لأكثر من عقدين من الزمن ومازالت تستهدف مساجدهم وهم يصلون بالمئات ، وأسواقهم المزدحمة بالبشر ، تذكروا أحبتي إن كنتم قد نسيتم سجون الحضارة الغربية ؛ كسجن جوانتنامو ، وسجن أبو غريب … انظروا أحبتي فعل الحضارة الغربية ، القائمة على العنصرية الصهيونية في القدس ، وكيف هو حال المصلين من الذكور والإناث المسلمين في ليالي رمضان ، تذكروا أحبتي ماذا فعلت الحضارة الغربية في بلاد الرافدين ، وكيف كذبوا حين قالوا إنهم جاءوا إلى العراق لنزع السلاح الذري ، وهم يعلمون جيدا أنه لايوجد من ذلك شيء ، وماهو إلا عذر أقبح من ذنب ، تذكروا كم قتلوا من علماء بلاد الرافدين ، وكيف صنعوا الصراع المذهبي والطائفي ، وقاموا بتغذيته ودعمه بكل ما أوتوا من قوة ، بعد أن كان نسيا منسيا ، بل وصلت الوقاحة بالحضارة الغربية إلى أنها تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتدمير الأسرة ؛ لأنها تعلم جيدا أنها اللبنة الأولى في بناء المجتمع ، وذلك بمنع زواج الفتيات دون العشرين من العمر ، تحت ذريعة أنهن قاصرات ، والحقيقة أنهم يريدونهن يتجاوزن سن الإنجاب والقدرة على بناء الأسرة السليمة التي من شأنها المشاركة في بناء المجتمع ، فضلا عن تشجيع المتزوجات على الطلاق ودعمهن في الوصول إلى ذلك ، لكن الأدهى من ذلك والأمر هو سعي الحضارة الغربية في تحدي الخالق ومخالفة فطرة الإنسان التي فطره الله عليها ، من ذلك على سبيل التمثيل ؛ فرضهم على الأمم والشعوب ، لاسيما الفقيرة والمستضعفة منها ، مايسمونه ( الزواج المثلي ) أي زواج الذكر من الذكر ، والأنثى من الأنثى … اعلموا أيها المنبهرون بالحضارة الغربية أن ما أوردته في مقالي هذا ماهو إلا غيظ من فيض من مساوئ تلك الحضارة الهابطة خلقة وخليقة … نعود إلى الفساد والمفسدين من الداخل ، وهنا يطرح هذا السؤال نفسه ، كيف تستطيع كتائب الخير والبناء مواجهة جيوش الهدم والتدمير في وطننا الحبيب ؟ حقا إن الطريق وعر وطويل ، والمعركة متعددة الجبهات ، لكن الأمر جدير بالثبات وحري بالتضحية ؛ لأن التهاون فيه يعني قتل جيل وتدمير وطن ، لسنا ضد من يطالبون بحقوقهم ، ونحن منهم ، لكن يجب أن ندرك جيدا أن بلادنا وشعبنا يمران بمرحلة تكاد تكون هي الأخطر في تاريخ البلاد ، وكذلك يجب أن نعلم تماما أن من يفاقم هذه المحنة ، لايخاف الله ولايملك ذرة من ضمير ؛ ومن هنا وجب على كل منا أن يحمل اللبنة بيد لكي يضعها على حائط البناء ، وليرفع اليد الأخرى ، في الوقت نفسه ، عاليا للمطالبة بحقوقه ، واعلموا يارجال الخير والبناء والارتقاء أن كتائبكم حتما ستنتصر على جيوش الشر والفساد والمفسدين ، مهما طغى الكذب وكثر الأفاكون والمستهترون مع أنهم من ضمن ركاب السفينة … وشكرا لمن تسبب في فتح أبواب دور العلم بعد أن أوصدت ، وشكرا للمعلم الذي آثر قبول القليل من حقه بدلا من أن يخسر هو ووطنه وجيله الكثير ……