برحيل مثل هؤلاء تحل الفاجعة
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
وقف في صفوف المستضعفين ، وانتصر للمظلومين ، وتصدق بما جادت يده للفقراء والمعدمين ، كان شخصية وطنية يصعب قراءتها أومعرفة أغوارها ، يعد رجلا وطنيا من الطراز الأول ؛ أبدع في مجال عمله القضاء ، إذ كان حصيفا دقيقا محايدا في أحكامه ، متميزا في إدارته ، صادقا في معاملته ، لم يتأثر بخزعبلات الشرق الشيوعي وأوهامه ، مع أنه درس في أكرانيا ، كان منتظما في ترتيب أوراقه ، يحترم مواعيده ، يستطيع استيعاب الجميع ، لايتأفف من أحد حتى لو كان من خصومه ، لم يكن حاد الطبع ولابذيء اللسان ، تجده محبوبا في أوساط موظفيه ، حازما من غير تجريح ، مهابا فطرة دونما تكبر ، غزا قلوب الجماهير واستوطن عقولهم دون عناء أو بذل شيء من المال أو الأكاذيب والوعود ، كان قبلة عشاق النجاح من الصغار والكبار ، من الخاصة والعامة ، شكل في حياته إزعاجا للصوص ، وقلقا للفاشلين ، وسهرا للفاسدين وأعداء النجاح ، نشأ في أسرة متواضعة ، بدأ من الصفر ، وصنع تاريخا ستبقى تتحدث عنه الأجيال من غير موروث يتكئ عليه أو تاريخ يستند إليه …
أما عن تواضعه ، فإن الحديث عنه أو الاسترسال فيه سيصنع كتبا والمقال لايحتمل ؛ لذلك سوف أقتصر القول في مشهد واحد حدث مع كاتب السطور ، إذ لم أكن أعرفه قبل ذلك ولا هو يعرفني البتة ، فقط كنت أسمع ذكر اسمه ، أما هو فربما لم يكن قد سمع منطوق اسمي قط ، الأمر الذي جعلني – وأنا أعمل عميدا لكلية المجتمع/عدن أما هو فكان يومها يعمل رئيسا لمحكمة الاستئناف – أهاتفه عبر الهاتف الجوال ، وأطلب منه أن يحدد لي موعدا كي ألتقي به ؛ لأستشيره في بعض القضايا القانونية ، وبعد أن خُلق بيننا جو من التعارف ، من خلال التهاتف ، سألني – قبل أن نتفق على تحديد الموعد – أين أنت الآن ؟ قلت : في كلية المجتمع الواقعة في دار سعد ، قال : إذن سوف أمر عليك صباح غد عند الثامنة إلى الكلية ، وسأجلس معك إلى الساعة التاسعة ، فهل أنت على استعداد لذلك سيادة العميد ؟ تأخرت شيئا من الوقت عاجزا عن الرد من هول المفاجأة ، إذ لم أكن أتوقع الحصول على موعد لمقابلته في المحكمة ، وإذا به يعرض علي حضوره شخصيا إلى الكلية مقر عملي ، أجبت متأخرا بعد أن كرر السؤال ، ماذا ترى ياسيادة العميد ؟ أجل ياقاضي سوف أكون في انتظارك صباح الغد بكل سرور ، قال : في أمان الله وانهينا المكالمة الهاتفية . صحوت باكرا ، وذهبت إلى الكلية قبل السابعة صباحا ، شاركت عمال النظافة في تجميع المخلفات ورش المياه على الأشجار لتنظيفها من الأتربة ، استعدادا لاستقبال ذلك الضيف الكريم ، وصل عند الثامنة تماما ، فقرأت من ذلك تقديس الضيف لموعده ، التقينا بحرارة مع أننا لم ير أحدنا الآخر قبل ذلك ، صعدنا إلى مكتبي ، ومن المهابة والإجلال للضيف لم أستطع الجلوس معه لوحدي ماجعلني استدعي الإدارة برمتها لتشاركني الترحيب بالضيف ثم التحدث إليه ، تحدثنا في القضايا القانونية وبعض الأمور الرسمية ، ثم عمدنا إلى الحديث في بعض الأمور الاجتماعية والشخصية ، حتى أنه أشار إلى تقديسه لأمه وتنفيذ توجيهاتها والبر بها ، الأمر الذي جعلني أشعر أنه أراد من خلال ذلك أن يذكرنا بأهمية البر بالأمهات ، ولكن بأسلوب راق للغاية في النصح والإرشاد ، فلله درك ياقاضي فهيم من شخصية عظيمة تجاهلها أو حاول أن يتجاهلها الحاقدون والفاسدون والفاشلون وأعداء الوطن والمجتمع … رحمك الله ياقاضي فهيم وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة وألهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، إنا لله وإنا إليه راجعون