شاشة

رحلتي في أرخبيل سقطرى 9


رحلتي في أرخبيل سقطرى 9

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

   نزلنا من الكهف (دجب) عند الغروب ، قاصدين شاطئ البحر ، ولكن باتجاه الشرق قليلا ، نبحث عن مستراح يعرف بكثبانه الرملية البيضاء النظيفة ، وقبل أن نصل المستراح المراد ، وجدنا أنفسنا في قرية من قرى نوجد. ، وإذا ببضع فتيات لايستطيع النظر تمييزهن جيدا ؛ لأن الليل كان قد حجب الرؤية في نوجد ، إلا ماكان من ضوء القمر الذي يتوسط السماء فوق رؤوسنا ، لكن وجوه تلك الفتيات ينافسن القمر في الإضاءة مافضحهن لأبصارنا ، الأمر الذي جعلني أتجرأ على أخي السقطري إذ سألته ، أخي العزيز أنت تعلم أنني كاتب وناقد وأديب وأقرظ الشعر أيضا ، لذلك تجد الفضول المعرفي ووصف الجمال أمورا تسكن وجداني ، وبناء على ذلك فقد وشت تلك الوجوه المقمرة بصاحباتهن لبصري ، وكشفنهن لناظري ، ألا ترى أنهن ينافسن القمر بهاء وضياء ؟ ابتسم أخي السقطري ثم قال : حقا أنتم الأدباء أعلم الناس بمواطن الجمال ، فمنطقة نوجد هي المنبت الأصلي والمرتع الأمثل للغزلان والظباء وأسراب القطا ، وأضاف قائلا : ويحكى أن البرتغال قد استوطنوا هذه المنطقة لزمن غير قصير ، فبقيت آثارهم وألوانهم تتوارث حتى يومنا هذا ، وقبل أن نغادر تلك القرية ، اعترضنا شاب من أهلها ، وأصر على استضافتنا ، لكننا رفضنا ذلك ، وطلبنا منه أن يبيعنا أو يبتاع لنا رأسا من الغنم ، وسنقوم نحن بعملية الطهي بجوار البحر ، فقال اذهبوا أنتم إلى الاستراحة عند الكثبان الرملية البيضاء ، وأنا سوف أتولى أمور الطعام ، وألحق بكم ، واصلنا السير نحو الكثبان الرملية باتجاه البحر ، والقمر رفيقنا أنى ذهبنا ، قطعنا مسافة طويلة ولما نعثر على الاستراحة ، فأدركنا عند ذلك  أننا قد ضلينا الطريق إليها ، وبعد بحث مضن ، رأينا أن نطلق إشارة استغاثة ضوئية نحو أي مركبة في الأفق ، فماهي إلا دقائق وإذا بمركبة مقبلة نحونا ، مستجيبة لإشارتنا الضوئية ، نزل رجل منها ثم سأل : ماهي حاجتكم أيها الإخوة ؟ قلنا : نريد استراحة الكثبان الرملية البيضاء ؟ قال : هيا اتبعوني بمركبتكم ، وصلنا إلى الاستراحة ، وقبل أن يودعنا ذلك الرجل الوديع ، قال : هل أحضر لكم شيئا من الماء والطعام ؟ قلنا : نشكرك أيها الرجل الطيب ، نحن لدينا الكثير من ذلك ، انصرف عنا الرجل بعد أن تمنى لنا قضاء وقت ممتع ، ولكن بعد أن ترك في نفوسنا ذلك الأثر العظيم عن الأرخبيل وأهله ؛ إنهم يمتلكون من الأخلاق الرفيعة والقيم النبيلة مالم يعد له أثر في ذاكرة الآخرين من الأمم والشعوب ، لم يمض وقت طويل ، حتى لحق بنا السقطري الآخر الذي تكفل بإعداد الطعام ، وبجعبته نصف لحم الخروف مطبوخا ، وبضعة أقراص الشعير وبعض الأدوات المعدنية ؛ بعضها لاحتساء المرق وأخرى للثريد وغير ذلك ، فضلا عن إحضاره النصف الآخر من لحم الخروف نيئا وكمية من الحطب ، فقام زملائي الدكتور أحمد كليب وكيل الوزارة لقطاع المعايير والجودة والأستاذ عمر خضيري مدير إدارة المعايير والجودة والأستاذ أحمد سعيد السقطري مدير إدارة الآثار والسياحة بالأرخبيل بمساعدته في إشعال النار ووضع الأحجار المسطحة عليها ثم وضع اللحم فوقها ، وبقيت أنا أنظر في جمال الكون وأتفكر في عظمة خالقه – بعد أن تم إعفائي من المشاركة في تحضير الطعام – وإذا بالسماء صافية من السحب والغيوم ما أتاح للقمر يستعرض جماله ويتبختر تيها منتصفا في السماء ، وكأنه يسبح في ذلك الكون الرحيب ، أعود وأنظر من حولي ، وإذا بالنار والدخان الصاعد منها يضايقانني قليلا في متعة النظر إلى تلك العرش المصنوعة من الأخشاب وسعف النخيل ، العامرة بالفرشان والمتاكئ دون خوف من أن تمتد إليها يد عابث أو لص ، وتلك الأنابيب البلاستيكية السوداء الحاملة للمياه النقية ؛ لتغذية دورات المياه ، وتلك الكثبان الرملية البيضاء التي تتلألأ بريقا بفعل ضوء القمر … أخي القارئ لو أطلقت العنان لقلمي في وصف مناقب ومآثر ذلك الأرخبيل وأهله لملأت المكتبات بالكتب والمجلدات ومع ذلك لن أوفيهم حقهم… انتظرونا في السردية القادمة…

Related posts

رالي حائل الدولي ينطلق يوم الخميس العاشر من شهر نوفمبر الحالي

Alahlam Almasrih

عذاب الركاب

Alahlam Almasrih

13 من علماء الجامعة اليابانية بقائمة جامعة ستانفورد لأفضل 2٪ من علماء العالم

Alahlam Almasrih