تحقيقاتمحافظات

الرواية قراءة الحياة بين المخيال والواقع …. أميل حبيبى أنموذجاً كتب سليم النجار

الرواية قراءة الحياة
بين المخيال والواقع …. أميل حبيبى أنموذجاً
كتب/سليم النجار
متابعة:لطيفة القاضي
في هوجة التفاصيل اليومية يقع الروائي أسير الخوف من تفلت منه تلك التفاصيل خاصة إذا ما عرفنا أن بيئتنا العربية لا تميل كثيرا للرصد اليومي وأيقونتها الذاكرة ٠ بمعنى ان التفصيل يذهب ومن ثم يتم تسجيله في الذاكرة وبعد ذلك يتم التعرّف على الحدث من خلال الذاكرة ؛ هذا استشكال مفصلي بالنسبة للروائي الذي يريد أن يظفر برواية تقترب من الواقع كثيراً ؛ وحاول التغلب على هذه المعضلة باللجوء إلى السيرة الذاتية تعويضاً عن هذا الخلل الثقافي ؛ وبعض النقاد وجهوا لوماً قاسياً لهذا الأسلوب الروائي واعتبروا للجوء لتلك التقنية هو ضعف معرفي وكسل ذهني ؛ وابتعاد عن المجتمع الذي يستطيع إلهام الروائي بحاضنة كبيرة من الأفكار ؛ إلا أن الصراع بين النقاد والروائيين بقي محتدماً وفي كثير من الأحيان يصل الخلاف إلى طريق مسدود . حتى ظهر في عالمنا الثقافي العربي شيء اسمه الواقع السحري من خلال رواية ماركيز ” مائة عام من العزلة ” وتدفقت الدراسات تنهمر على عقل المتلقي العربي وكأن هذه الرواية فتخت أفقاً جديداً ؛ وكثرت المصطلحات في القراءات النقدية بمناسبة وفي أغلب الأحيان دون مناسبة ؛ ولكن مصطلح الواقعية السحرية هو المصطلح الذي تربع على عرش النقد في عالمنا العربي الإبداع ؛ ورغم بعض المحاولات الخجولة التي كتبها النقاد للتخلص من سجن مصطلح ” الواقعية السحرية ” ؛ وعملوا على عمل مقاربة مع ” الف ليلة وليلة ” على اعتبارها جزء أصيلاً من الثقافة العربية الأسلامية ؛ ورغم وجاهة هذه الرؤية النقدية ؛ لكنها لم تلقى قبولاً في الأواسط الثقافية العربية ؛ لا البعض ذهب إلى مهاجمة هذه المقاربات ولكلٍ أسبابه ٠
ننطلق من هذه المقارية إلى سؤال التالي : هل يمكن البحث عن رواية مثل المتشائل للروائي الفلسطيني الراحل اميل حبيبى التي صدرت في العام ١٩٧٤ ؛ رواية تقترب من الواقعية السحرية ؟
لا يمكن بأيً من الأحوال التعاطي النقدي مع نص المتشائل أن ننفي استفادة هذا النص مما يرشح به المخزون الأسطوري الشعبي من أنماط حَكْي وفنون تخييل ٠ وهي استفادة يبررها نزوع النص والحكي الشعبي الفلسطيني كلاهما ؛ باعتبارهما فعاليتيين تتبادلان التأثُّر بواقَع الإنسان الفلسطيني والتأثير فيه ؛ إلى نشر الثابت من القيم الإنسانية كالخير والعدل والحرية ؛ ويُجلّبها اشتراكُهما معاً في توظيف الأسطورة الشعبية الفلسطينية لتحقيق ذاك النزوع ٠ ومن ثم وجبت إضاءة دور النص في عضد منجزات المكان ؛ الذي وظفه أميل حبيبى ؛ حيفا ؛ مدينته التي تحولت في النص الى حكاية تحمل في طياتها بذور اسطورة من جهة كونها تمثّل فضاءً يستطيع أن يستوعب الفكرة في إطلاقيته ؛ وسبيلاً إلى البحث فيه بحثًا حرًّا وذاتيًا ؛ بل لابد من تأسيس تصوَّر للروائي يكون فيه لتسجيل تجليات المكان ؛ فحيفا وفضاءها اصبح الآن وسيلة للتساؤل : هل الذاكرة الفلسطينية أو الوضوع الحالي التي عليه حيفا الأبقى في الواقع المعاش ؟ ؛ لا ريب في أن ما يمكن أن يُميّز تلك المعرفة هو ” نصيتها ” ؛ الأمر الذي يعني أنها ليست إلا تمثُّلا ذاتيًّا للواقع الإنساني يخضع لطبيعة رؤية المبدع له ؛ وما يحكمها من تصوّرات خاصة عمّا فيه من مقدَّسات ؛ إذ ؛ ليس النص الروائي وسيطًا بين السؤال والموقف للمبدع ؛ بل هو أيضًا الشكل الفكري الذي يحفظ النصيّ لحركة الموقف حتى يتمكن المتلقي من تمثّلها وإعادة صوغها ذاتيًا ٠ ولعلّ في هذا ما جعل رواية ” المتشائل ” مسرحًا لحركة الرؤية وهو يخترق مجالات المعيش البشري ؛ منتظمًا إيقاعاتِها ؛ وملوِّنّا فيها رغائب الإنسان في يوجد في المكان وجودًا مريحاً خاليًا من القلق الفكري ٠
رواية ” المتشائل ” للروائي أميل حبيبى مثّلت خزينًا ثرَّا من الصور والاستعارات الشعبية الفلسطينية التي كان ماءها الفني ؛ وهي صور مازالت في المكان – حيفا – فالصورة ليست وليدة اللحظة ؛ بل هي نتاج حضارة متواصلة منذ زمن بعيد موغل في التاريخ ومتواصل ولايوجد قطع بشري هي هذه الحضارة ؛ التي أرسى لها اميل حبيبى ؛ وجعل من حيفا إطارًا تخييليًّا وهذا ما يمكن تسميته هنا المكان الحيفاوي المعاش ؛ يكتب تخييلياً ويقرأ واقعاً ٠ وهذا ماذهب له أميل حبيبى في روايته أن الانسان الفلسطيني لجأ الى اسطورته الشعبية كتعويضا لما يتعرض له من ظلم وتهميش في مدينته حيفا ؛ وهنا نستذكر فيلسوفًا فيثاغوري عن أفضل طريقة لتربية ابنه تربية أخلاقية ؛ أجاب الفيسلوف الفيثاغوري بقوله : ( اجعل منه مواطنًا في دولة ذاتَ قوانين صالحة ) ٠ وإذا ما تذكرنا قول هيغل في تحليله لفكرة الدولة ؛ فكان يهتم بتحليل فكرة الدولة ؛ كشيء عقلي ؟ وهو لا يفعل ذلك على نحو مجرد أو على نحو يوتوبي خيالي ؛ وإنما بنظرة نقدية إلى الطبيعة البشرية من ناحية والتاريخ الفعلي للدول في العالم من ناحية أخرى ٠ أي ان التواصل البشري الممتد في المكان هو الذي يصنع دولة ؛ واساطير شعبية ؛ وفضاءات متخيلة ومروية فالمكان حيفا لم ينقطع الفلسطيني عنها منذ قِدم التاريخ ؛ وكانت هذه المدينة تعيش بين مد وجزر تارة تكون مدينة ؛ وتارة أخرى قرية ؛ وفي كلا الحالتين الفلسطيني شكل جزءً من تراب هذه المدينة ؛ هذا ما ذهب إليه اميل حبيبى في رائعته ” المتشائل ” ٠
اميل حبيبى في هذه الرواية دعا الى صيحة نحن العرب أحوج لها ؛ صيحة العقل والائتناس به لأنه أقدر من يغرس فينا شيئا غائبا هو التساؤل ٠ ويكمل فينا عضوا ناقصا هو النقد ٠

Related posts

أوتوميكانيكا إسطنبول 2024 يستعد للإنطلاق مع الثالث والعشرون من مايو المقبل

Alahlam Almasrih

نقابة الإعلاميين تقرر منع ريهام سعيد من ممارسة النشاط الإعلامى

Alahlam Almasrih

بحضورالبروفيسور الدكتور علي مهران المدير الاقليمي للمعهد العربي الاوروبي في فرنسا جمعيه علم النفس الكويتيةتقيم دورة تدريبية تحت عنوان تطوير الذات